دَنْ، دَنْ، دَنْ:
بقلم الشاعر الاديب/قِوامُ الدِّين الهاشميّ
************************************
نظَرَتْ إِليهِ بذهولٍ شديدٍ؛ إِذ وجدَتهُ فَجأَةً يتجوَّل في فناءِ الْغُرفَةِ ذهابَاً وَ إِياباً..
سأَلتهُ بجديَّةٍ كَبيرةٍ:
- ماذا بكَ؟!
توقّفَ عَنِ الحَركَةِ، نظرَ إِليها بغَضبٍ شديدٍ دونَ أَن يقولَ شيئاً..
سأَلتهُ مُجَدَّداً بصوتٍ أَعلى:
- ماذا بكَ؟!
أَجابها بجديَّةٍ كَبيرةٍ يُخالِطُها الحُزنُ وَ الأَسى، مُنشِداً بَيتاً مِنَ الشِّعرِ:
- وَحيداً في الْعَراءِ أَنا وَحيداً، وَ أَبقى نازِفاً هَمَّاً وحيداً.
سأَلتهُ باستغرابٍ شديدٍ:
- ماذا قُلتَ؟!
صرخَ قائلاً بشيءٍ مِنَ الغَضَبِ:
- وَحيدَاً.
سَمِعَتْ هيَ صَدىً يتردَّدُ في أَرجاءِ الْغُرفَةِ يَصدَحُ في أُذنيّها عالياً:
- دَنْ، دَنْ، دَنْ.
نفَضَتْ رأَسَها بذهولٍ شَديدٍ، ثُمَّ أَعادَتْ سؤالها مُجدَّداً بشيءٍ مِنَ الغضَب:
- ماذا قُلتَ؟!
صرخَ قائلاً بغَضَبٍ واضِحٍ:
- وَحيدَاً.
سَمِعَتْ هيَ مرَّةً أُخرى صَدىً يترَدَّدُ في أَرجاءِ الْغُرفَةِ يَصدَحُ في أُذنيّها عالياً جدَّاً:
- دَنْ، دَنْ، دَنْ.
نفَضَتْ رأَسَها بذهولٍ أَشد، اقترَبَتْ منهُ، ثُمَّ أَعادَتْ سؤالها مُجدَّدَاً بغَضَبٍ أَكبر:
- ماذا قُلتَ؟!
وَ أَردَفَتْ سؤالها بغَضَبٍ أَشد قائلةً:
- دَنْ، دَنْ، دَنْ؟!
اقتربَ منها أَكثر، وضعَ وجهَهُ أَمامَ وجهِها عَن مَسافَةٍ قَريبَةٍ جدَّاً، وَ صَرَخَ بوجهِها بغَضَبٍ أَكبَر:
- دَنْ، دَنْ، دَنْ.
قرَّبَتْ وجهَها مِن وجهِهِ كثيراً، وَ صرخَتْ بهِ بشدَّةٍ كبيرةٍ جدَّاً، في سؤالٍ واضحٍ:
- دَنْ، دَنْ، دَنْ؟!
أَجابها بغَضَبٍ أَكبر وَ إِصرارٍ شديدٍ:
- دَنْ، دَنْ، دَنْ.
سَمِعَتْ هيَ صَدىً يتردَّدُ في أَرجاءِ الغُرفَةِ يَصرُخُ بقوَّةٍ كبيرةٍ جدَّاً:
- دَنْ، دَنْ، دَنْ.
نظَرَتْ حولها باستغرابٍ شديدٍ، ثُمَّ استدارَتْ إِليهِ مُجدَّدَاً وَ سأَلتهُ بغَضَبٍ كبيرٍ جدَّاً:
- دَنْ، دَنْ، دَنْ؟!
أَجابَها غاضِبَاً:
- دَنْ، دَنْ، دَنْ.
سأَلتهُ بهدوءٍ يُخالِطُهُ الاستغرابُ:
- أَسمِعتَ الْغُرفَةَ ما تقول؟!
صرخَ بوجهِها قائلاً:
- دَنْ، دَنْ، دَنْ.
صرَخَتْ هيَ بوجهِهِ مُتسائلةً باستغرابٍ شديدٍ:
- لماذا تصرُخُ في وجهي؟!
سأَلها بغَضَبٍ شديدٍ:
- أَلا تُريدينَ أَن أَصرُخُ في وجهِكِ؟!
أَجابتهُ بغَضَبٍ كبيرٍ:
- نعَم! لا تصرُخ في وجهي.
سأَلها بغَضَبٍ كبيرٍ:
- هذا ما يَهمُّكِ أَنتِ؟! أَن لا أَصرُخُ في وجهِكِ فَقَط؟!
أَجابتهُ بغَضَبٍ كبيرٍ:
- نعَم! لا تصرُخ في وجهي.
أَجابها بغَضَبٍ كبيرٍ في جديَّةٍ واضحةٍ:
- حَسَناً، لَن أَصرُخَ في وجهِكِ بَعدَ الآن!
وَ على الفَورِ، اِستدارَ عَن يمينِها، وقفَ وراءَها مُباشرَةً، قَرَّبَ وجهَهُ مِن أُذنها اليُمنى، وَ هيَ قَد أَصبَحتْ تقفُ أَمامَهُ مُباشرةً، ثمَّ صرخَ بأَعلى صوتهِ بغَضَبٍ شديدٍ جدَّاً:
- دَنْ، دَنْ، دَنْ.
انتَفَضَتْ هيَ بقوَّةٍ كبيرةٍ!!
تردَّدَ صَدىً عالياً في جَميعِ أَرجاءِ الْغُرفَةِ:
- دَنْ، دَنْ، دَنْ.
نظَرَتْ هيَ بذهولٍ إِليهِ، أَدارَتْ وجهَها يَميناً وَ يَسَاراً، جالَتْ بعينيّها أَرجاءَ الْغُرفَةِ برُمّتها، سَمِعَتْ كُلَّ شيءٍ فيها يُردِّدُ بصوتٍ عالٍ:
- دَنْ، دَنْ، دَنْ.
استدارَتْ إِليهِ، نظَرَتْ في عينيهِ بإِمعانٍ شديدٍ، سأَلتهُ بهدوءٍ يُخالِطُهُ الاستغرابُ:
- أَتسمَعُ ما أَسمَعُهُ أَنا؟!
أَجابَها بهدوءٍ مُماثلٍ:
- نعَم!
سأَلتهُ بهدوءٍ شديدٍ:
- دَنْ، دَنْ، دَنْ؟!
أَجابها بهدوءٍ مُماثِلٍ:
- دَنْ، دَنْ، دَنْ.
سأَلتهُ بهدوءٍ أَيضاً:
- أَحقَّاً أَنَّ الْغُرفَةَ تُردِّدُ ما تقولهُ أَنتَ: دَنْ، دَنْ، دَنْ؟!
أَجابَها بهدوءٍ في ثقةٍ كَبيرةٍ:
- الْغُرفَةُ لا تُردِّدُ ما أَقولُهُ أَنا: دَنْ، دَنْ، دَنْ، بَل هيَ تئِنُّ أَلَمَاً وَ تقولُ لكِلَينا: دَنْ، دَنْ، دَنْ.
سأَلتهُ بذهولٍ:
- الْغُرفَةُ تقولُ لنا: دَنْ، دَنْ، دَنْ؟!
أَجابَها بأَلَمٍ كبيرٍ:
- الْغُرفَةُ وَ كُلُّ ما فيها يَقولُ: دَنْ، دَنْ، دَنْ.
سأَلتهُ بذهولٍ شديدٍ:
- لماذا دَنْ، دَنْ، دَنْ؟!
أَجابَها بهدوءٍ يُخالِطُهُ الأَلَمُ:
- أَخبرتُكِ.
ثُمَّ أَردَفَ على الفورِ بجديَّةٍ كَبيرةٍ يُخالِطُها الحُزنُ وَ الأَسى، مُنشِداً البيتَ ذاتهُ مِنَ الشِّعرِ:
- وَحيداً في الْعَراءِ أَنا وَحيداً، وَ أَبقى نازِفاً هَمَّاً وحيداً.
سَمِعَتْ كُلَّ ما في الْغُرفَةِ يُردِّدُ بصوتٍ عالٍ جدَّاً:
- دَنْ، دَنْ، دَنْ.
فَتَحَتْ كفّيها أَمامَهُ، ففتحَ هُوَ كفّيهِ أَيضاً أَمامَها..
اِستمرَّ الصوتُ تردُّدَاً في جَميعِ أَرجاءِ الْغُرفَةِ:
- دَنْ، دَنْ، دَنْ.
نظرَ أَحَدُهُما للآخَرِ في لحظاتٍ مِنَ الصمتِ وَ الْحُزنِ وَ الأَسى!!
اِزدادَ صُراخُ كُلّ ما في الْغُرفَةِ:
- دَنْ، دَنْ، دَنْ.
أَشارَ بعينيهِ إِليها نحوَ سَقفِ الْغُرفَةِ، فهَزَّتْ لَهُ رأَسَها موافِقَةً..
فَجأَةً!! رَفَعَ كلاهُما كفّيهِما نحوَ الأَعلى..
مَدَّ كُلٌّ منهُما يَديهِ عالياً باتجاهِ السَقفِ إِلى أَعلى ما يستطيعانِ، وَ كفّيهما تتخذانِ وضعَ الدُّعاءِ وَ الرّجاء..
نظرَ أَحَدُهُما إِلى الآخَرِ، فهَزَّ أَحَدُهُما رأَسَهُ للآخَرِ مواِفقاً..
وَ على الفورِ صَرَخا سويَّةً بصوتٍ عالٍ:
- دَنْ، دَنْ، دَنْ.
تزايدَ صُراخُ كُلّ ما في الْغُرفَةِ:
- دَنْ، دَنْ، دَنْ.
وَ تمازجَ صُرَاخُهُما بأَلمٍ كَبيرٍ مَعَ صُراخِ كُلّ ما في الْغُرفَةِ مِن أَشياءٍ:
- دَنْ، دَنْ، دَنْ.
- دَنْ، دَنْ، دَنْ.
- دَنْ، دَنْ، دَنْ.
..
وَ استمرَّتِ الأَشياءُ تصرُخُ بصوتٍ عالٍ جدَّاً، حتَّى ما لا نهاية:
- دَنْ، دَنْ، دَنْ.
(النهاية)
...
مِن تأَليف:
العابد الفاني، ذو الأَهدافِ الْمُتفاني
الأَديب قِوامُ الدِّين الهاشميّ
العاشِقُ للنبيِّ الْمُختار، وَ الْمُغرَمُ بحُبِّ آلِ بيتهِ الأَطهار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق